28 مايو 2011

السيرة الذاتية للمرأة وثقافة الرجل الذكورية

عبدالله سيف/ جريدة العهد
الرواية التي بين أيدينا «نساء المتعة» للاستاذة منيرة سوار «نساء المتعة» هي احدى الاعمال الروائية التي تصب في المشروع الثقافي الذي يعالج العلاقة الخاطئة بين الرجل والمرأة, هذه العلاقة غير السليمة التي بدأت منذ قصة الخلق حيث أبونا آدم وعلاقته بأمنا حواء والى هذا اليوم, رغم ظهور الأديان والأنبياء والرسل والمصلحين والتنويريين الداعين الى تصحيح هذه العلاقة ووضعها على الطريق الصحيح.
 وهذه الاخفاقات التي اصابت المشروع الثقافي التصحيحي لهذه العلاقة بين الرجل والمرأة ترجع الى عمق جذور الثقافة الذكورية في نفوسنا وتغلغلها في اعماقنا, هذا التغلغل في العمق ليس مقتصراً على الذكر بل حتى الأنثى التي تنظر الى هذه الثقافة الذكورية التي تميز بين الرجل والمرأة وتعطى الرجل الحق, كل الحق ان يقول مايشاء ويعمل ما يشاء وتضع المحرمات على المرأة وتمنعها من القول أو الفعل حتى لو كان ذلك مشروعاً وبريئاً, دليل ذلك وقوف العديد من النساء أثناء الانتخابات ضد انفسهن ومناصرة الرجل وتقويته عليهن, وهن يعتقدن ان ما يفعلنه هو الصحيح, انها ثقافة ذكورية متراكمة عبر العهود والدهور والازمان لهذا جاءت رواية منيرة ليس لطرح الحلول لتصحيح هذه العلاقة وانما لعرض نماذج من هذه العلاقة الخاطئة القائمة بين الرجل والمرأة كنتيجة طبيعية للثقافة الذكورية المتحكمة والسائدة بينهما. وقد نجحت الروائية فيما تهدف اليه من اثارة القضية التي هي بصددها حيث طرحت من خلال روايتها العديد من التساؤلات حول العلاقة السائدة بين الاثنين الرجل والمرأة وذلك في نطاق العلاقة الزوجية فجعلت القارئ ينتبه الى ما هو مسكوت عنه ومسلم به.
اعتمدت الروائية منيرة سوار في طرح رؤيتها للمشكلة وفي توصيل رسالتها من خلال روايتها التي ضمنتها استعراض نماذج من علاقات زوجية لزوجات لهن أزواج لهم ثقافتهم وتفكيرهم وتنشأتهم وتعليمهم ومستواهم الاجتماعي والاقتصادي المتباين وكل نموذج من هذه الزيجات يختلف عن الاخر في سلوكه الانساني كنتيجة لمحصلته الثقافية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية وموروثاته الشعبية, الا ان هؤلاء الازواج يتفوقون على التمييز بينهم وبين المرأة واضطهادها, النموذج الأول العلاقة بين الزوج عادل وزوجته سهير وابنائهما حسب الترتيب سوسن, اسامة, روان: وكانت الحياة الزوجية التي ضحت سوسن بعقلها ومستقبلها التعليمي من أجل تحقيقها قد كشفت لها كم هي حمقاء ومتسرعة ومخطئة وان هذا الزوج الذي اختارته بقوة وبعنف وبجنون لم يكن فارس أحلامها ولم يكن الزوج الذي تريد, رجل يفتقد الى الأبوة كما يفتقد الى الانسانية فكيف لا يفقد مرؤته في تعامله مع زوجته التي ضحت على مدى ثمان سنوات من حياتها سادتها في البداية العلاقة الطبيعية بين شابين متحابين انتصرا على الصعاب التي واجهتهما وتزوجا, ثم شيئاً فشيئاً يتسلل الجحيم الى هذه العلاقة حيث الجفاء وبرود المشاعر فالخلافات فالاهانات فالكلمات الجارحة والقاسية والبذيئة والنابية التي تصدر من الزوج عادل الذي ترك مسئولية البيت والأولاد عليها فتحولت العلاقة الزوجية, هذا الرباط المقدس من سيء الى اسوأ, حتى اضطرت الى الاستسلام الى واقعها المر بعد مرور 15 عاماً على الجحيم الذي تعيشه والذي أوصلها الى قناعة تامة ان الزوج الذي اختارت يفتقد الى ليس الانسانية فحسب بل والرجولة أيضاً فهو أناني وقاسٍ وشرير وعديم الأبوة متنازل عن رعاية ابنائه سيء في تربيتهم ظالم في تعاملهم, معهم فاقد حس التأديب لهم يمارس ثقافته الذكورية في تربيته لهم والقائمة على التمييز بين الذكر والأنثى وليس الذكر كالأنثى وهي العلاقة التي يمارسها مع أمهم. النموذج الثاني: العلاقة الزوجية القائمة بين صادق وزوجته مهدية, هذه العلاقة التي رأي الحل في ممارسة العلاقة الجنسية خارج حدود حياته الزوجية مادام هناك فتوى تبيح له ذلك حيث توافر زواج المتعة والمسيار والزواج بنية الطلاق والعرفي, وزواج الصداقة وغيرها من العلاقات الزوجية خارج نطاق الزواج الدائم, النموذج الثالث: أمل المرأة المتعلمة الجامعية المثقفة التي تقرأ الشعر والرواية والفلسفة والتاريخ, الباحثة عن زوج والتي تعاني من تعامل أخيها الأكبر لها من خلال ثقافته الذكورية التي تعد المراة من المحرمات, هذه المرأة الأمل التي ابتليت بجار رؤيته تؤدي الى الغثيان والمولعة بالكمبيوتر التي تركت وظيفة التدريس من أجل البحث عن فارس الاحلام فالزواج وعندما التقطته واجهت مشكلة انه على غير مذهبها.
النموذج الرابع: زهراء اخت صادق التي اعتادت الزوج السيء الكثير الاهانت لها والاذلال وهي راضية وصابرة من أجل ابنتها منار الكثيرة الامراض, هذه الزوجة التي حرمت من الزوج المحترم والبيت والأولاد الأسوياء الأصحاء, هذه الزوجة التي بلغت الوقاحة وقلة الأدب والذوق أن يطلق زوجها عليها كلمة موس موسم لأنها تحدثت مع جارهم في ساعة انتظار زوجته ببراءة. أما مصير العلاقة بين عادل ودلال فإنها يمكن أن تؤطر في نوع من الزواج غير الدائم وما على عادل الا استئجار شقة تضم رأسين بالحلال بعيدين عن أعين الآخرين ورغم أن عادل متزوج, إلا أن الدهشة فاجأت عادل من أن فكرة ذلك جاءت من دلال نفسها, رغم أن أنواع الزواج غير الدائم كالمسيار والزواج بنية الطلاق والعرفي خارج نطاق الرقابة الأسرية والاجتماعية.
اذا اغضضنا الطرف عن الأخطاء النحوية التي صاحبت بعض الجمل والعبارات الروائية فإن الاستاذة منيرة وفقت في عرض رؤيتها الى العلاقة غير الصحيحة السائدة بين الرجل والمرأة في نطاق الزواج, وكنت اتمنى لو أنها اختارت اسماً لروايتها «نساء المتعة» مثل النساء لعبة الرجال, أو العلاقة الزوجية غير السليمة أو غير الصحيحة أو غير المتكافئة لأن هناك نوع من الزواج الاسلامي المنقطع هو «زواج المتعة» وذلك حتى لا يتبادر الى ذهن القارئ قبل قراءة الرواية انه هو المعني, رغم ان الرواية تطرح جميع أنواع الزواج الدائم والمنقطع (المتعة, العرفي, المسيار, الزواج بنية الطلاق, زواج الصديقة...الخ) بل تطرح العلاقة بوجه عام بين الرجل والمرأة أما المتعة الجنسية في الزواج فهي متبادلة بين الطرفين, حيث هي لا تقتصر على الذكور بل الاناث أيضاً, كما كان بودي لو أن الكاتبة قد أشارت الى ان هذه العلاقة الزوجية غير الصحيحة هي ارث ثقيل وعميق متراكم وثقافة ذكورية شرسة تم توارثها عبر قرون, حتى اصبحت من المسلمات.

0 التعليقات:

إرسال تعليق