28 مايو 2011

نساء المتعة لسوار وكتابة (المسكوت عنه) في الأسرة البحرينية

فيصل عبدالحسن/ جريدة أخبار الخليج
في رسالة شخصية لي من الكاتبة البحرينية الشابة (منيرة سوار) موضحة لي عن ظروف كتابتها لروايتها الأولى (نساء المتعة) تقول فيها: (رواية نساء المتعة هي أول إصدار لي في مجال الرواية. أما عن ظروف كتابتي للرواية، فقد كانت مفاجأة لي ولمن حولي بكل المقاييس. فأنا يا سيدي لم أكتب يوماً.. ولم أتمن ولوج عالم الكتابة. وتستطيع أن تعتبر موهبتي- إذا كنت موهوبة بالفعل- قد ولدت فجأة!. كتبت يوما قصة قصيرة على ما اذكر لأختبر سرعتي في الطباعة على الكمبيوتر!. كما كنت أقرأكثيراً حينما كنت في المدرسة والجامعة قبل انشغالي بمسؤوليات الحياة).
وكلما قلبت عملها الأول (نساء المتعة) استغربت أن يكون عملها الأول بهذا النضج، فهي كاتبة روائية ولدت في عملها الأول والذي قال عنه صاحب رواية الشيخ والبحر أرنست همنغواي، وهو يوصي أصحاب المحاولات الأولى في الكتابة، أن يحرقوا محاولتهم الأولى في الكتابة الروائية لأنها (لكثرة أخطائها) لن تمثلهم في السنوات القادمة وسيتبرأون منها!! ولا أقول هنا أن نساء المتعة جاءت مكتملة ولا هنات فيها، وضعف في هذا الموضع أو ذاك أو في بناء هذه الشخصية أو تلك أو أن لغتها سليمة، ولكنني أقول إن الكاتبة تملك موهبة لافتة في مواصلة الكتابة في عمل روائي طويل، وبهذا النفس غير المنقطع، وهذه الروح المحبة لخلق الأجواء والشخوص وتحريكهم والدخول بهم في معارك، وعقد رئيسية وثانوية ضمن المسار العام للرواية، لتقول رأيا بقضية مهمة من قضايا الساعة في مجتمعنا العربي، قضية التكوين الهرمي للأسرة العربية، وشكل العلاقة بين المرأة والرجل، بعد أن اهتزت الكثير من القيم المتعارف عليها في المجتمع البحريني المحافظ، والمجتمع الخليجي، والعربي عموما وبتأثيرات مباشرة من تحول العالم بفعل قوانين العولمة الجديدة، وما أتاحته وسائل الاتصال الحديثة من قرع للنواقيس لتغيير ما ألفناه في حياتنا المحافظة، فانتشر الزواج العرفي في المجتمع المصري وفي كثير من المجتمعات العربية التي يعاني فيها الشباب البطالة وعدم توفر الفرص المادية لبناء عائلة من خلال زواج تقليدي عرفته مجتمعاتنا طوال القرون الماضية، وعلى العكس من ذلك حدث في المجتمعات العربية التي حباها الله تعالى بالثروات النفطية فصار شبابها يعيشون وفرة مالية دفعتهم للتوسع والاجتهاد أيضا لتوسيع دائرة العلاقة بين الرجل والمرأة لتجد أشكالا جديدة لهذه العلاقة كزواج المسيار وزواج نسميه في العراق (كصة بكصة!!) وهو زواج يأخذ من الزواج التقليدي كل شروطه غير أنه يتم بتبادل بين عائلتين، فيزوج الرجل ابنته لشاب في مقابل أن يزوج الشاب أخته لهذا الرجل، بالرغم من فارق العمر وفوارق أخرى كثيرة أو أحياء لنوع من الزواج يسمى بالزواج المؤقت (زواج المتعة) الذي شاع تاريخيا، ليحل مشكلة كانت تصادف المجاهدين المسلمين في أوائل الفتح الإسلامي عندما كانت جيوش الدولة الإسلامية تقاتل شرقا وغربا لنشر الإسلام في ربوع العالم حين كان ينقطع المجاهدون عن نسائهم لفترات زمنية طويلة، وكذلك بسبب ما أنتجته الحروب في تلك الفترة من أرامل.
ان الزواج الجديد الذي ينتشر اليوم هنا في شمال أفريقيا على سبيل المثال هو الزواج الأبيض!! وهو زواج لا يتم إلا على الورق ولا يتم أي اتصال جسدي فيه بين المرأة والرجل، بل هي صفقة مالية تعقد بين الطرفين للحصول على فيزا للبلد الذي تسكنه الزوجة أو الزوج، المتفق معها أو معه للحصول على الجنسية الأوربية من طرف الزوج أو الزوجة، لقاء مبلغ مالي يتم الاتفاق عليه بين الطرفين وتتم أغلب هذه الزيجات في العطلة الصيفية حين يرجع المهاجرون الذين حصلوا على جنسيات أوربية فيعقدون زيجاتهم البيض في بلدانهم الأصلية للغاية التي ذكرتها وليس للمتعة والإمتاع كما يحدث في دول الخليج!!
رواية سوار البحرينية هل هي رواية بالفعل ؟ إحساس عميق سيطر علي وأنا أقرأ نساء المتعة بأن الكاتبة في كل مقطع مما كتبت أنها كانت تكتب سيناريو مسلسل تلفزيوني اجتماعي!! وتجيد في كل لقطة من لقطاته الدخول إلى صميم المجتمع البحريني فقد امتلكت هذه الكاتبة عين كاميرا ذكية في نقل المسكوت عنه في الأسرة البحرينية المحافظة: الخيانة الزوجية، الزواج بالسر، الزواج المؤقت،المحظورات في اطلاع الأطفال على الجانب الآخر من عالم الناضجين!
ان العمق الدرامي في عملها الممتع (نساء المتعة) ينبع من هذا التضاد المعنوي بين ما هو تأريخي وما يقوم به (محمد البحريني) احد أبطال العمل من عادات تاريخية، في أيام عاشوراء كما يفعل أهل مذهبه وارثه العقائدي، وبين أمل الفتاة المتحررة التي تراسل عبر شبكة الانترنت ابن وطنها محمد البحريني معتقدة من اسمه الذي لا يوحي بأي خلفية عقائدية أو مذهبية أنه يمكنها بناء علاقة مستقبلية به ترقى إلى الزواج لولا اكتشافها الأخير انه من غير طائفتها حيث شعرت (أن التأريخ يطل عليهما بوجهه القبيح المشوه ليعكر صفاءها ص200 من الرواية).
(نساء المتعة) محاولة جادة لطرح مشاكل الأسرة البحرينية التي تأثرت كثيرا بمحيطها الجوسياسي، وحاولت الكاتبة منيرة سوار أن تضع النقاط على الحروف في المسكوت عنه في مجتمع صغير متحاب،حباه الله تعالى بالخيرات والأمن والتآلف بين أفراده، وهذه الكاتبة هي ابنة الأستاذ عقيل سوار الصحفي البحريني المعروف بعموده اليومي في جريدة الوطن، والتي عرفت بعملها في ذات الجريدة، وقد قامت قبل دخولها مغامرة كتابة عملها الأول الشيق (نساء المتعة) بترجمة كتاب من الانجليزية إلى العربية، وهو كتاب المربية المثالية لجو فروست الصادر عن دار العلم للملايين. وهو كتاب معني بتربية الطفل. أما دراستها فهي خريجة كلية اللغة الإنجليزية بشهادة بكالوريوس. وهذا أيضا ما يلمسه قارئ (نساء المتعة) أسلوب رشيق في الكتابة، ولكن أيضا يشعر بالكاتبة، وهي تفكر بوضع الجملة باللغة الانجليزية، ولكنها تعدل عن ذلك فتترجمها للعربية وهذا عادة ما يقع فيه كل من كتب بلغته الأم وقد اعتاد أن يترجم عن لغة أخرى!!
رواية نساء المتعة/ الدار العربية للعلوم ناشرون/ ط1 2008/ لبنان /200 صفحة قطع متوسط.
* كاتب وصحافي عراقي يقيم بالمغرب

0 التعليقات:

إرسال تعليق